” م. ر ” طفلة تبلغ من العمر 12 عام تعيش مع والدها ووالدتها و3 إخوتها الصغار، كتب لها القدر بأن تكون هي المولودة الأولى، وقد مرت بظروف كثيرة أثرت على شخصيتها، بل وجعلت منها فتاة غير متواجدة ولا يرى في وجهها سوى الخوف والرعب.
فحد قول والدتها، ” كانت صغيرة على كل شيء عايشته، بداية من الحرب التي عايشناها جميعًا إلى وفاة خالها بسبب نزاع وهو كان عائد معها من السوق، وقد كانت معه ورأته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويموت وهي بين ذراعيه، وقد كان عمرها آنذاك 6 سنوات.
وتضيف،” بعد وفاة خالها تعرضت لصدمة نفسية وفقدت النطق لفترة وتمت معالجتها وعادت تتحدث ولكن بصعوبة أو كأنها لم تعد تريد التحدث”.
وتكمل الأم: بعد عودتها للحديث بعد عام وأكثر من العلاج، عادت للحديث ولكن من النادر جدًا نسمع صوتها أو تقول رأيها في شيء، وتفضل أن تبقى وحيدة، ولا تحب البقاء مع أحد.
بعدها زادت قسوة الحياة من حولها وزادت المشاكل الأسرية مما زاد في سوء حالتها وتعبها وزيادة الخوف والرعب الذي تعايشه مما أدى إلى عدم نومها نهائيًا.
وتواصل الأم سرد تفاصيل حكاية صغيرتها بألم: ” ذهبنا بها لطبيبة نفسية فحددت لنا موعد الجلسة الأولى وقبل هذا طلبت حضور زوجي وناقشتنا عن الإرشاد الأسري وكيفية التعامل الصحيح مع الأبناء..
وبعدها، واصلت الطبيبة الجلسات، حيث نفذت خمس جلسات كانت تجمع فيها الأم والطفلة والتي كانت حول تعديل سلوك التربية وكيفية التقليل من مخاوف الطفل وبعدها جلستين خاصة بالطفلة بمفردها.
تقول الطبيبة: “في أخر جلستين قمنا بتطبيق إعادة البناء المعرفي وبث الاطمئنان والأمان في قلبها وتصحيح كل الأفكار السوداوية والخاطئة التي كانت تفكر بها”.
وتستطرد الأم بعد هذه الجلسات تحسنت حالة صغيرتي وأصبحت لديها ثقة بنفسها وتجاوزت الخوف بمراحل وعادت لها ابتسامتها ونظرة الحياة لعينيها التي كادت لا تذكر من قبل، لقد عادت روحها ومرحها الطفولي، وها نحن الآن لانزال نحاول أن نعيد لها ثقتها بنفسها أكثر وأكثر.
تؤكد الاخصائية الاجتماعية “عائشة محمد ” حول هذه الحالة وهل هناك حالات كهذه، أن الكثير من الأطفال يعانون من هذه المشاكل فهناك من يستمر معهم المرض والخوف ويسبب لهم عُقد ومنهم من يتجاوز بصعوبة ومنهم من يملكون عائلة متفهمة فيذهبون به إلى الطبيب .
وتضيف، الحرب أثرت على الأطفال كالكبار تمامًا وما زاد معاناتهم هي المشاكل الأسرية التي يعانوها ويشاهدونها بشكل شبهه دائم، فلهذا دائمًا ننصح أولياء الأمور بالمناقشة وخصوصا الحادة بعيد عن الأطفال فهذا يؤثر عليهم بشكل سيء وسلبي.
يوميات الحرب والفوضى والوضع المعيشي الصعب والمتفاقم يؤثر سلبا على الأطفال والكبار، وقد يدفع الأطفال الثمن باهظا كونهم الحلقة الأضعف والتي ليس بمقدورها الاحتمال، ناهيك عن استمرار معاناتهم لسنوات وحتى بعد الحرب، الأمر الذي يتطلب على المعنيين إعداد برامج تأهيلية لإعادة الطفولة والحفاظ على مستقبل الأمة.