أحلامٌ مسروقة
إب7 press
أسرار الدحان
لم تكن يديه الصغيرة تحتمل أكثر، فما يحمله على عربة النقل يعجز عن حمله الكبار، أكياس ممتلئة ببضائع التجار أو حمولات أخرى للمشترين والذين قد يحتاجون لحملها كونها ثقيلة، كان يمشي ويتأرجح ثم يقف لترتاح يداه، فيحرك أنامله الصغيرة، والتعب باد على ملامح جسده المتهالك.
كانت عيناي تلاحقه بهدوء بينما هو منشغلٌ بدفع الحمولة غير آبه بالمارة، بشرته سمراء تظهر عليها حروق الشمس لكن ملامحه طفولية وجميلة بالكاد يدفع نفسه ليصل.
بعد جهد أخذ منه ما أخذ، وعاد إلى التاجر، وعيناه لا تتوقف باحثة عن زبون جديد يحمل له ما اشتراه أو بضاعة تصل ليساعد في نقلها وإيصالها للتجار.
لوحت له بيدي فنظر نظرة فاحصة مستغربة فأنا لا أحمل مشتريات كثيرة، ثم تقدم نحوي بتململ واستغراب بينما أنظر إليه وابتسم، ثم سألني حين وصل: هل تحتاجين عربيتي ماذا أحمل لك؟
وأبتسم ابتسامة مرهقة، كانت عيناه تلمع بشدة عجيبة نظرته طفولية مرهقة تحكي عن كمٍ هائلٍ من الهموم التي تثقل كاهله الصغير، بادرته بالسؤال سريعاً:
– لماذا تعمل، أنت مازلت صغيراً، كم عمرك؟
التفت باهتمام وعيناه تتفحص المكان حتى لا يفوته زبون يريد حمل ما اشتراه، وهو يحدثني ثم أجاب:
عمري عشر سنوات، كنت بالصف الرابع لكني توقفت عن الدراسة لأني لم أكن أستطيع أن أدرس وأعمل في نفس الوقت فأنا منذ ساعات الفجر الأولى وحتى يبدأ المساء بالسوق.. أبي لا يعمل غالباً وأنا واثنين من إخوتي نتحمل المسئولية.
التفت ونظر نظرة حزينة منكسرة، نحن ندفع إيجار البيت ونوفر الأساسيات لأمي وأربع من البنات وأمي مصابه بالروماتيزم والضغط وتحتاج كل فترة إلى علاج وأبي يعمل ” عاملا بالأجر اليومي”، أحيانا يجد عمل وكثير من الأحيان لا يجد وعلينا أن نوفر له ثمن كمية كبيرة من شجرة ” القات ” وعلبة سيجارة، حتى لا يصبح البيت بركان بسبب غضبه الشديد علينا وقد نتعرض للعنف والضرب نحن وأمي وأخواتي فالهم الأكبر لنا هو توفير ” القات ” لأبي وقبل كل الاحتياجات الأخرى، نحن نتعاون أنا وأخوتي والحمد لله..
لقد كان مثقلا، مثقلٌ بالهموم تمامًا، بالكاد سأله شخص ليبوح بهمومه وأوجاعه، مسحت على رأسه مبتسمة بينما أبتسم وعيناه تتزاحم بالدموع، وكادت نظرته أن تمزق قلبي.
سألته، وعلى كم تحصل بعد كل هذا الجهد؟!
أجاب بعد أن تلاشت ابتسامته، وقال بجدية: ثلاثة إلى أربعة ألف، وأحيانا ألف ريال فقط، المهم أني لا أرجع فارغا إلى أبي، لأنه سيحرمني من اللعب مع الأصدقاء بقية اليوم، وقد اتعرض للضرب أو الشتم القاسي والتعنيف فلا هم لي إلا أنه أبي لا يتعكر مزاجه.
لم أعد أحتمل سماع المزيد، توقفت عن أسئلتي بينما كان ينظر للأرض شارداً وقد توقفت عيناه عن ملاحقة الناس..
لماذا في بلادي لا معنى للطفولة؟
لماذا تحتمل عقولهم الصغيرة هموم أكبر من سنهم؟
وأعمال تنهك اجسادهم؟
بينما من المفروض أن تجدهم يمرحون كباقي الصبية لا هم لهم سوى أعباء واجباتهم ودروسهم …!
رفع رأسه منتبهاً، هل تودين أن أحمل لك شيء؟
فأجبته محركة رأسي بالنفي أن لا.. فحزنت عيناه.. وهمّ بالذهاب، بيد أني حاولت مواساته ومنحه مبلغا يسير يعينه على ظروف الحياة.
قلت له وأنا مغادرة، أتمنى من كل قلبي أن تعود إلى المدرسة وأن تحاول أن تأتي إلى السوق بعد دوامك المدرسي، كنت أشك أنني عبثا أحاول، فلم يعد الصغير قادرا على حمل أعباء التعليم والمدرسة.
لمعت عيناه، وأشرق وجهه كثيرًا وشكرني قائلاً: إن شاء الله سأحاول، وذهب عائداً ليمسك بمقبض عربة الحمل ملتفتاً إلي وهو يبتسم ابتسامة عريضة مشرقة بينما أنا أتخيله مرتدياً زيه المدرسي، حاملا حقيبته المدرسية المكتظة بالكتب والأحلام والأمل.