عندما تكون الإعاقة سببا في الشقاء والبؤس

إب7 press
أحلام المخلافي

أتاني اتصال من رقم مجهول ليس غريب عليّ، هذا الرقم دائماً يتصل بي في أوقات أكون لست متفرغة لإجابة الهاتف أو في وقت نومي، ولأول مرة يصادف وقت أكون مستعدة للحديث مع إحداهن إن كانت إحدى صديقاتي وغيرت رقم هاتفها.

هذا ما كان يجول في ذهني بعد أن شاهدت رقم هاتف غريب يتصل بي دون كلل أو ملل وفي حقيقة الأمر كنت متشوقة ومتخوفة من هذه المكالمة لا أعلم لمَ ولكني أجبت.

جاءني صوت أنثوي مقتضب، بل غاضب مني بشدة قائلا: ألو أنتِ أحلام المخلافي أخيراً يا آنسة أجبتِ على هاتفك لما تكونوا تشتغلوا بمهنة وداريين إنه ممكن يتصلوا لكم ناس لمشاركتكم قصصهم ومآسيهم كونوا ردوا وإلا لا تشتغلوا.

ابتسمت من كلمات هذه السيدة الغاضبة الذي فعلاً جعلتني أشعر بالخجل رحبت بها واعتذرت عما بدر مني وأخبرتها أن أوقات اتصالاتها لم تكن مناسبة، فطلبت لقائي واستضفتها عندي في المنزل وقبلت.

أتتني بعد اتصالها ببضعة أيام فتاة عشرينية مرتبة ويبدوا عليها الترف مصابة بإعاقة عضوية، لا تستطيع المشي بسهولة، لكني تجاهلت كل هذا مرحبة بها، أهلاً أهلاً يا ابتسام تفضلي.

ابتسام: زاد فضلك وأعرف أنك مصدومة أني معاقة، لدي رجل طويلة والثانية قصيرة وحتى في إعاقة بعضم العمود الفقري لكن أعرف أمشي والحمد لله.

ابتسمت لها وقلت لم انصدم والإعاقة ليست بالجسد وإنما في الأذهان، تفضلي عزيزتي أنرتي.

تركتها ذاهبة للمطبخ لأقوم بضيافتها، شاهدتني أمي قائلة من هذه …؟!! ألف مرة أقول لك لا تستضيفي ناس ما تعرفيهم يا أحلام، ومن ثم قلتي قصة انسانية ومأساة البنت شكلها عايشة بجنة كلها ذهب ومهندمة أفضل منك ابتسمت لأمي وربت على كتفها وقلت لم أستمع لمأساتها بعد دعوني معها قليلاً ولا تقلقي أرجوكِ..

هكذا هي أمي تخاف من كل الغرباء، وصلت إليها وكانت متوترة ويبدوا عليها آثار القلق جلسنا سوية كانت تتهرب تماماً عن حديثها فتعتذر لي عما بدر منها في الاتصال وتعود وتذهب بحديثها عن أشياء لا أساس لها.

صمت قليلا وقلت لها، ابتسام حدثني عنكِ من أنتِ وما الذي وددتي قوله لي في اتصالك، رأيت في عينيها نظرت هلع وخوف كانت تحرك أناملها بطريقة تستفزني حقيقة وتوترني، أكملتُ حديثي أرجوكِ اهدأي مابكِ لم كل هذا التوتر ..؟

قالت: ” عمري 26عام، تزوجت على أحد الأغنياء عمره كان فوق 60 عام، رجل عجوز كهل لا يسمعني، فسمعه ضعيف وأجزم كذلك بأنه لا يراني وإنما يرى أشياء مشوشة أمامه.

تزوجت ابتسام قبل عامين بعد معاناة كبيرة في منزل عائلتها فحد قولها إن والدتها هي سبب كل ما هي فيه.

وتكمل وعينيها دامعة: ” كنت في منزل والدي المدللة قبل وفاة أبي، كان يعاملني معاملة خاصة لأني من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبدأ بتعليمي حتى وصلت لصف الثامن، وعندها توفي أبي ومات كل حلم لي معه.

تزوجت ام ابتسام بعد وفاة زوجها من رجل أخر، وكان لديها ولدين وابتسام وأخت ابتسام الصغرى اما زوجها فكان لديه شابين فقط في المنزل وفتاتين متزوجتين.

وتواصل سرد قصتها، أمي هي سبب دمار حياتي وهي من رمتني مرتين للنار بيديها، فقد كانت معاملتها لي قاسية منذ الطفولة، ودائماً ما تصفني بالمعاقة تحب جميع أخوتي إلاي، بل أنها تقول لستي ابنتي، أحمدي الله أني ربيتك، وجدناك على باب جامع، وكنت أحياناً أقول يمكن هذا، ولكن أخي كان يقول ولدت بك وأنا موجود، لكن لا أعلم ما سر قسوتها عليك، فقد كانت تحرقني بالنار إن اخطأت بأي خطأ مهما بدى بسيطا منذ طفولتي.

وفتحت كفها لأرى صورة أقشعر لها بدني كفها مشوهه تماماً، قالت وهذا حرق قبل زفافي بأشهر، وأكملت حديثها باكية: ” تزوجت أختي الصغرى وعمرها 14 عام فهي على قدر عالي من الجمال وليست معاقة كما تقول والدتي وبقيت أنا وأمي وإخوتي وأولاد زوج أمي وزوجها المغترب “.

كانت تتعرض ابتسام للتحرش اللفظي والجسدي من قبل أولاد زوج والدتها، وحينما شكت لوالدتها أحرقت كفها حد قولها دون رحمة وقالت لها تشتي تخربي بيتي، واحدة تكون مطلقة والثانية عانس، أحمدي الله أني لميتك ببيت وإلا كنت شارميك بالشارع يأكلوكِ الكلاب.

تزوج أخوها وكانت هي الوحيدة من تنظف وترتب وتطبخ رغم اعاقتها، وحرمت من التعليم بعد وفاة والدها وحرمت من الحياة كذلك، حيث تتحدث:” مات والدي، وحرمتُ بعد ذلك من التعليم ومن الحياة بل وحتى من الكلام إن شاركتهم أي حديث رمتني والدتي بأي شيء كان أمامها قائلة، اصمتي يا معاقة متى شخلص منك “.

بقيت اتعرض للتحرش من ابن زوجها لفترة، حتى أني والله كنتُ أحياناً أدخل الحمام وأغلق على نفسي وأنام، أما المطبخ إن اغلقته فسيقتلونني حتماً، فأكيد أنهم ينامون وأنا اذهب للأكل، ووضعت لي مكان في الصالة لأنام فيه ولا باب اغلقه لأحمي نفسي، مرت الأشهر واتاني رجل كهل يريد الزواج، لا يهمه شكلي ولا عمري فقط يريد امرأة لخدمته، بداية الأمر رفضت فهو في عمر جدي ولكن بعد ضرب والدتي، وإصرار أخوتي، فهو غني والبيت لا يسعنا، اضطررت للموافقة.

وتستكمل حديثها قائلة:” عقدنا في نهاية رمضان وتزوجنا في شوال، رجل لديه منزل ووضعني فيه كاميرة، لكنه لم يكن في يوم زوجي بل كان أب لي لا أكثر، وقد ترين بأن قصتي هذه يمكن ان تكون مسلسلا، ولكن هذا حقيقة ما حدث، فقد كان الرجل صديق والدي، وتزوجني لأنه كان يرى والدي في حلمه يطلب منه أن يساعدني مما أنا فيه، فأنا لم أحكي تفاصيل ما عانيته في منزل والدتي وزوجها، كنت أنام جائعة وأصحوا كذلك يهلك جسدي من المرض ولا أحد منهم يعطيني ولو حبة دواء، أرتدي بقايا ملابس والدتي المهترئة الممزقة التي لا تناسب هيئتي وجسدي.

تقول الحياة أتعبتني يا أحلام، وتجهش بالبكاء، مات زوجي الذي كان والدي الأخر، ولم تربطنا سوى ورقة عليها بصمتينا وحب أب لابنته رحمه الله، وقد كتب لي منزله بإسمي بيع وشراء، ومجوهراتي كلها منه، وأوصى أولاده بأن يعطوني مصروف شهري ويحموني لا أعلم كيف ممكن أن أقولها ولكن أمي دمرت حياتي والغريب هو من أعادها لي.

وتختتم حكايتها، لا أعلم هل قصتي تلك تستحق النشر، ينبغي أن يقرأ المجتمع قصتي، حتى يرأف المجتمع بحال بناتهم وخصوصا من عندها إعاقة.

ولأول مرة أشاهد إنسانة تحكي قصتها وهي تبكي بهذا الوجع وبهذا القدر الكثيف، حتى أني لم اتمالك نفسي وشاركتها بالدموع، ورغم إعاقتها إلا أن الله حباها الله بجمال منقطع النظير، ولكن قسوة الزمن تظهر على عينيها رغم استقرار وضعها المادي وحصولها على منزل ومجوهرات وعطف من أقرباء زوجها، لتبقى هذه القصة واحدة من القصص الإنسانية التي تتعرض لها المرأة المعاقة التي يجب على المجتمع أن يقدم لها الدعم والمساندة، وأن تصحح بعض المفاهيم المجتمعية الخاطئة.