في رمضان ..” غبني على اللي مامعه حظيرِة “
إب7 press
سماح عملاق l مقال رأي
بينما تحاول سيدةٌ مسنّةٌ من محافظة إب مضغ قطعة من الفطير القاسي المحشو بالذرة دمعت عيناها.
سألتُها عم يبكيها، فإذا بها تقول المثل الشعبي السائد في المحافظة “غبني على اللي مامعه حظيرِه، يموت من الجوع بخورته فطيرِه”. تقولها متأثرة بكسر ماقبل الهاء حسب لهجتها المحلية. والحظيرة هي الأسنان.
وهي تتذكر أثناء محاولاتها المتكررة للأكل دون أسنان كيف كانت شابّةً نشيطةً وجميلة، وكم كانت تتشنج ممتعضة حين تتأخر جدتها العجوز بالأكل كونها تودّ رفع الصحون والتفرغ لنفسها من أعمال المطبخ.
تقول الجدة حسنية(اسم مستعار)بنبرة ملؤها ندم:”سمعك هذا المثل من جدتي قبل ثلاثين سنة، أني كنك أتشنج عليها لما ما تعرفش تأكل وتتأخر كثير بالأكل، وهي قاله المثل لي لما حسّه بغضبي لكني شعرْك بمعناته اليوم، وفعلًا الأيام دول، ومايبقي إلا وجه الباقي “.
يتجه مسنوا محافظة إب نحو أكلات شعبية هي أسهل في المضغ كالعصيدة، والشفوت، والشوربة.
وهذه الوجبات غنية بالفوائد الغذائية كما أنها توفر جهد الأسنان أثناء مضغها، ولهذا السبب أُدرجت الفطيرة في المثل الشعبي كرمز للطعام القاسي الصعب.
و الفطير هو نوع من أنواع المخبوزات القاسية، تعدّ من الذرة أو الشام في التنورات الحطبية المسماة بالأصعاد.
وتعارف الناس على تقديم الفطيرة “الشابّة” في الإفطار الأول مع سمك “الوزِف” المطحون، وهذه الفطيرة شابّة لأن سُمكها يحقق ليونتها، وتتصف بشكلها الدائري وصغرها مقارنةً بالفطير القاسي كما أنها حارة المذاق، ومن شأن ذلك مراعاة كبار السن، ومساعدتهم في نيل حقهم في الاستمتاع بمذاق الإفطار .
تهتم الأمهات بأطفالهن الصغار في واقع الحال، وينهضن مبكراتٍ لإطعامهم خوفاً من تعرضهم للجوع أثناء صيام سكان المنزل، لكنهن قلّما نظرن إلى احتياجات كبار العائلة سناً، وراعين مشاعرهم التي تهفو لاستطعام بعض الأطعمة والتلذذ بها مثل غيرهم حسب الجدة حسنية التي تقول :”الكبير بلقمته، والصغير برُقعته” وتعني بأن الطعام هو الذي يشد من عود العجائز، والقماش هو الذي يشد أزر الأطفال، كرمزٍ لأهمية اللّقمة، وقطعة القماش بالنسبة لكلي الشريحتين.
ويعاني مسنوا المحافظة في شهر رمضان المبارك تعب الإفطار وإرهاق السحور لكنهم يكتفون بالشفوت المميِّز للمائدة الرمضانية وبضع مأكولاتٍ معصورة خصيصًا لهم.
تتمنى الجدة حسنية عودة الزمن إلى الوراء كي تغدو أكثر تصبراً ومراعاةً لمشاعر الشيوبة، وتنصح الجميع بذلك، وبالتيقن بأن من يكتب الله له عمراً سيصل إلى نفس الحال، وسيمر بنفس هذه المواقف.