” عاد رمضان وكل عام يعود يهل دمعي قبل هلاله “

إب7 press

طاهر الزهيري

عاد رمضان وكل عام يعود يهل دمعي قبل هلاله، هكذا بدأت ” ص .ع ” حديثها معنا وهي أم لـ 5 أطفال وزوجها كهل مصاب بعدة أمراض مزمنة وبات الآن عاجزا تمام عن إنجاز أي عمل مهما بدا بسيطا، ناهيك عن توقفه الكلي عن أداء مهامه كرب للأسرة.

أخبرتنا عن جزء من معاناتها قائلة : ” تزوجت في سن مبكر لم أكن أفقه بزواج شيء كل ماكنت أعرفه أن هذا الرجل سيأمرني وأكون له كما يقول هذا ما قالته لي والدتي وكنت كذلك لم أعارضه في شيء حتى وإن كان على خطأ”.

وتواصل “ص.ع ” مر عام على زواجي ولم أنجب طفل فكان تارة يضربني وتارة يشتمني ويرفسني في بطني حتى أصبت على اثر ذاك بنزيف، وتم اسعافي، وقيل بأني كنت حاملاً .

منذ تلك الفترة وهو تغير تماما يريد أن يكون أبا، فغير معاملته لي بل حتى أمسى يتشاجر مع أي أحد يأمرني بشيء، فغضب والده منه و طردنا من المنزل.

انتقلنا من الريف إلى مدينة إب و استأجر لنا منزل قديم غرفة وحمام وممراً صغيراً جعلناه مطبخاً .

مرت الأيام وحملت ” ص. ع ” وأنجبت مولودها الأول وحيدة في منزلها وأتت إحدى الجارات لتساعدها في وضع مولودها وهكذا كانت كل ولاداتها بدون طبيب أو مختص ولم يهمها الأمر هذا كما قالت :” كنت أضع كل جنين لي بمفردي أو تأتي لتساعدني إحدى الجارات ولم يهمني هذا الأمر في الحقيقة، بل ماكان يهمني أني كنت أموت جوعاً، فلا أكل لدينا في المنزل ولا أحد يتواجد لخدمتي وإن اتى فأين سيبيت، ونحن لا نملك سوى غرفة صغيرة لي ولزوجي بالكاد تتسعنا .

زوجها كان يدخن بشكل كبير فأثر عليه ذلك وأصيب بمرض القلب، وانسداد الشرايين، وبعدها بمدة قصيرة أصيب بمرض الضغط، فتوقف عن العمل، وقد كان لديها حينها 4 أطفال يتضورون جوعاً وبالأخص في شهر رمضان إذ يصومون بدون أكل ويفطرون بدونه.

واستطردت تحدثنا عما عانته لسنوات قائلة : كنت أيقظ أولادي لصلاة الفجر و اعطيهم القليل من الماء ووالله انه كانت تمر أيام لا نتذوق من الطعام شيء وعلى هذا الحال الفطور لا شيء إلا ماء وبعض حبات التمر إن تصدق بها احد الجيران لنا، او بقاياهم.

أكملت ساردة تفاصيل معاناتها باكية : لم يكن يعرف أحد ما نمر به فزوجي في حقيقة الأمر لا يحب أن يتصدق عليه أحد ولكن الأمر زاد عن حده فحينما كنت أشاهد أطفالي يبكون من شدة الجوع كنت أنتظر حتى صلاة العشاء وأحياناً في منتصف الليل و أذهب لأجمع بقايا خبز او أرز او اي شيء من القمامة لأسد بها رمق وجوع صغاري ..

وتواصل، شاهدني حينها رجل خير جزاه الله كل خير، ومنذ ذلك اليوم كان يدق باب منزلنا كل سحور و فطور نفتح ونشاهد بعض من أنواع الأكل، أتذكر فرحة أطفالي ودمعة زوجي العليل الذي لا يملك شيء ولايستطيع العمل.

تسرح قليلا، وتكفكف دمعها، أتعلموا كنت أخاف أن يأتي العيد وصغاري يبكون لايمتلكون ملابس جديدة وبالأحرى لا يمتلكون ملابس أساساً فملابسهم رثة ولم تعد صالحة للارتداء.

مرت الأيام وحال ” ص. ع” لا يتغير إلا من بعض المساعدات الإنسانية حتى بدأ صغارها يكبرون وخرجوا لسوق العمل بدلاً من المدارس فهم لا يمتلكون قدرة مالية لشراء زي مدرسي ودفاتر وأقلام وحقائب، بل لا يمتلكون 100 ريال لدفع رسوم الحارس و الفراشة كما كانوا يقولون سابقاً في المدارس.

وتفصل ما آلت اليه أوضاع أبناءها قائلة :” حملت بطفلي الأخير وكنت لا أريد طفل أساساً ولكن لم أمتلك حتى حق حل من حلول تنظيم الأسرة وبالكاد نستطيع توفير علاج زوجي الذي هو يذهب للعمل في عدة أماكن ويعود ببضع ملاليم يرفعها لشراء علاجه حتى خرج أولادي لجمع وبيع القناني المرمية في الشارع ومن ثم شراء البيض النيء وبيعه مسلوق ومن ثم بيع قنينات ماء ومناديل في الجولات والشوارع”.

وتضيف، قبل 3 أعوام، وبالتحديد في 17 من رمضان خرج ولدي سام لبيع مناديل ورقية ليشتري سمبوسة لخواته ولم يعد سوى جثة هامدة إثر حادث مروري حيث صدمه أحدهم وتوفي على الفور، وتبقي لي 4 أطفال معيلهم ولدي الأكبر أما الأصغر منه، كما قلت لكم قد توفي ..

بعد معاناتها لسنوات بدأ ولدها في العمل في الخياطات النسائية تحسن وضعهم المعيشي و استقروا في منزل أكبر من السابق وبدأت الحياة تبتسم لهم حد قولها.

واختتمت حديثها قائلة : ” تحسن وضعنا المعيشي و ابتسمت لنا الحياة ولكن بعد أن فقدت أحد أولادي وفقدت شبابي وفقد ولدي تعليمه ولكنه عوض فقدانه لتعليمه بتعليم أختيه وأخيه وأصبح لهم أب معيل وأخ حنون “.

رمضان شهر يذكرني بالكثير والكثير من معاناتي فأمسيت الآن كلما أتذكر اجهش بالبكاء، وأقوم بتفقد جيراني باحثة عمن لا قوت لهم لعلي أسعدهم كما أسعدنا ذلك الرجل الغريب.